بغداد - للمرة الأولى منذ عقود عدة، توجه مسرحية "جيب الملك جيبه" انتقادات لاذعة إلى الفساد والسياسيين و"مبدأ المحاصصة" فى العراق، كما أنها المرة الأولى التى يقدم فيها عرض مسائى منذ الاجتياح فى ربيع العام 2003.
واكتظت صالة المسرح الوطنى التابع لوزارة الثقافة بأكثر من ألف شخص مساء الخميس، فاضطر المسؤولون إلى وضع مقاعد بلاستيكية فى الممرات وفتح الطابق الرئاسي. لكن هذا لم يكن كافيا ما دفع المشاهدين الذين لم يجدوا مكانا إلى الجلوس أرضا.
ورغم التفجير الذى سبق موعد العرض الأول للمسرحية واغلاق قوات الشرطة المنافذ المؤدية إلى المكان، حضر المئات فى حينها سيرا.
وتستوحى المسرحية اسمها من "هوسة"، "هتاف شعبي"، "جيب الكاس جيبه"، التى ذاع صيتها بعد فوز العراق بلقب كأس آسيا لكرة القدم صيف العام الماضي. لكن المواطنين يستخدمون هذه العبارات بأسلوب تهكمى للتعبير عن معاناتهم اليومية ومصاعبهم.
وتتحدث المسرحية التى كتبها على حسين وأخرجها الفنان حيدر منعثر، الذى يؤدى دور الملك، عن حاكم يسعى لإيهام الناس برعايته لهم لكنه يتطلع إلى اشباع رغباته والاهتمام بالمصالح الشخصية فى مقابل إلحاق الأذى بمن يعيشون فى مملكته.
ويتمحور الخط العام للمسرحية، وهى السابعة عشرة للكاتب، حول محاولة يقوم بها أحد المواطنين لخطف الملك والتجول معه ليلا لكى يشاهد بام عينيه المشاكل والمخاوف التى يعانيها الناس نتيجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية فى أرجاء المملكة حيث يسود النهب والسلب والقتل.
وتتصدى المسرحية لواقع سياسى يستند إلى "مبدأ المحاصصة السائد"، وتوجه انتقادا لاذعا لمظاهر حياتية يرى الكاتب "أنها محكومة بالمصالح الشخصية أكثر من اهتمامها بصالح المواطن وحياته".
ويقول حسين إن "للمسرحية طابعا سياسيا ونأمل أن تشكل خطوة أولى فى اتجاه العودة إلى المسرح السياسى وظهوره مجددا بعد تغييبه لسنوات طويلة، بحيث افتقدت خشبات المسرح مثل هذا النمط الذى اعتاد عليه العراقيون فى ستينات وسبعينات القرن الماضي".
ويشارك 14 ممثلا فى تأدية الأدوار بينهم الفنان على داخل الذى يؤدى دور رئيس البرلمان وقاسم السيد وفلاح ابراهيم ونجم الربيعى وزهرة بدن.
وعرف الكاتب بأعماله الجريئة وقدم 16 عملا للفرقة القومية للتمثيل أثارت جدلا كبيرا تطرق بعضها بطريقة غير مباشرة إلى معاناة العراقيين إبان الحظر الدولى الذى فرض عليهم اعتبارا من مطلع التسعينات حتى الغزو الأمريكى العام 2003.
من جهته، اعتبر المخرج أن الحضور اللافت يشكل دليلا على اهتمام الرأى العام بمثل هذه الأعمال التى "تتميز بالجرأة والسخرية وانتقاد الواقع الانتهازى عبر صور سياسية تركز عليها المسرحية".
وأضاف منعثر أن "عودة العروض المسائية بعد غياب أكثر من خمسة أعوام يعكس رغبة المهتمين "..." إذ أن هذا التقليد يحمل قيما فنية وانسانية بالنسبة إلى العراقيين الذين تربطهم مع المسرح الجاد علاقة قديمة.. نسعى إلى مواصلة عرض المسرحية بعد أيام العيد لإتاحة الفرصة أمام العائلات".
والمخرج من الفنانين الذين قاوموا اغراء موجة المسرح التجارى وحرص على النأى عن مضمونه محافظا على واقعية المسرح العراقي، صاحب الإرث الرصين والمرتبط بحياة الناس.
من جهته، اعتبر رئيس قسم المسرح فى كلية الفنون الجميلة فى جامعة بغداد رياض موسى سكران ان المسرحية "عودة للمسرح الكوميدى الجاد والساخر عبر رسالة بالغة فحواها تشخيص المظاهر الحياتية وتأكيد رسالته الإنسانية".
وأضاف "يمكن القول أن المسرح الواقعى عاد مرة أخرى إلى فضاء الحرية ونرى أن "جيب الملك جيبه" تتصدى لبعض المظاهر السلبية بكل جرأة".
وشهد المسرح العراقى وتحديدا بعد العام 1958 ظهور فرق مسرحية انطلقت من قيم انسانية بينها فرقة المسرح الفنى الحديث ومسرح 14 تموز ومسرح الصداقة والمسرح الشعبى ثم الفرقة القومية للتمثيل.