قبل 600 عام ..
الحارث الرائش يتنبّأ بنبوة النبي محمد (ص)
وخلافة آل محمد (عليهم السلام) والحجة المنتظر (عج)
كان الحارث الرائش محدثاً، والمحدّث بفتح الدال المشددة هو الذي يتحدث على مستقبلات الزمان ويُخبر بما سيكون من الحوادث قبل كونها، فيأتي الأمر بتصديق ما يقوله، وكان الحارث الرائش كذلك، وله في هذا الشأن عدة قصائد، منها القصيدة التي أوّلها:-
أنا الملكُ المتوّج ذو العطـــايا جَلبتُ الخيل من أوطان ســامِ
لأغزو أعبداً جهــلوا مكانـــي سلالة يـــافث وقُبـــيل حــــامِ
بني قحطان فانتجعوا وسيروا وحجّوا البيت في البلد الحرامِ
بإذن الله حجّوا فهـــو بيـــــتٌ توارثهُ الهُمامُ عـــن الهُـــــمامِ
وكونوا مثل مِلطاط بن عمرو وذي إنس الغطارفة الكــــرامِ
فنحن الأغلبون إذا بطـــــشنا ونحن المتّـــــــقون لـــكل ذامِ
وإنّا يوم نغضبُ أو نُــــسامي تكادُ الأرض ترجفُ بالأنـــامِ
وإن نرضى تقرُّ بمن علـــيها ويُشرقُ وجهها بعد الظــــلامِ
وفينا المُلكُ والأملاك حـــــقاً ونحن الأكرمون بنـــو الكرامِ
أبونا يعرب وسبــأ أبــــــونا ونفخرُ من يُفــاخرُ أو يسـامي
فإن أهلك فقد أثَّـــلت مــــلـكاً لكم يبقى الى زمن التّــــهامي
ويملك بعـــدنا مـــنّا ملــــوكٌ بنو عزَّ كـــــعالية الغُـــــــمامِ
ويخلفُ بعدهم مــنّا مــــلوكٌ يدينون العبــــــاد بغــــير ذامِ
وتنتشر الأســـاود بــــعد هذا عِقاب الله في القـــوم الإثـــامِ
ويملك بعدهم منـــــّا ملـــوكٌ ضعيف أمرهُم ثَقل المــــرامِ
ويملك بعدهم رجــــلٌ عظيم نبيٌّ لا يُرخّص في الحــــرامِ
يُفارق أهله ولــــــه كــــتابٌ يُوافقُ خطّه رجــعَ الكـــــلامِ
يُسمّى أحمداً يا ليـــت أنـــي أؤخّرُ بعد مـخرجــــهِ بعــــامِ
ويملُك بــــعده خلفــــاءُ بـــرٍّ ويملك بعدهم أولاد عـــــــامِ
ويظهر راية المنصور فيهم على خاءٍ إذا نطــــــقوا ولامِ
ويملك بعــدهُ رجلٌ نحــــيلٌ على آبائه أزكى الســـــــلامِ
وربما إنها أكثر من هذا، فإنه أخبر في هذه القصيدة بمن يملك اليمن بعده من حمير وبنيهم بقوله :
فإن أهلك فقد أثَّـــلت مــــلـكاً لكم يبقى الى زمن التّــــهامي
فكان كما قال ولم تزل ملوك قحطان يتوارثون ملك اليمن الى أن قامت دولة الإسلام، ويعني بالتّهامي النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقوله :
ويملك بعـــدنا مـــنّا ملــــوكٌ بنو عزَّ كـــــعالية الغُـــــــمامِ
فكان كما قال يعني الملوك الذين ملكوا اليمن بعد الحارث الرائش وقبل ظهور الحبشة، وقوله:
وتنتشر الأســـاود بــــعد هذا عِقاب الله في القـــوم الإثـــامِ
فكان كما قال من انتشار الحبشة في اليمن والملك هنالك وكان مُلك الحبشة في اليمن على ما قيل اثنتين وسبعين سنة، تداولها منهم أربعة رجال وهم : أرياط ثم أبرهة ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروق بن أبرهة، وقوله:
ويملك بعدهم منـــــّا ملـــوكٌ ضعيف أمرهُم ثَقل المــــرامِ
فكان كما قال، وذلك أن الملوك الذين ملكوا اليمن بعد دولة الحبشة ليسوا كمن تقدمهم من ملوك حمير في العصر الأول، وقوله :
ويملك بعدهم رجــــلٌ عظيم نبيٌّ لا يُرخّص في الحــــرامِ
يُفارق أهله ولــــــه كــــتابٌ يُوافقُ خطّه رجــعَ الكـــــلامِ
يُسمّى أحمداً يا ليـــت أنـــي أؤخّرُ بعد مـخرجــــهِ بعــــامِ
فكان كما قال من ظهور النبي (صلى الله عليه وآله) وخروجه من مكة الى المدينة مفارقاً لأهله وإقامته في المدينة بين الأنصار الى أن توفّي (صلى الله عليه وآله) ...
وقوله :
يُفارق أهله ولــــــه كــــتابٌ يُوافقُ خطّه رجــعَ الكـــــلامِ
أي يُنزّل عليه كتاب باللسان العربي ويُكتب بالخط العربي يعني القرآن العزيز، قال الله تعالى : (إنا أنزلناه قرآناً عربياً).. وقال تعالى ( بلسانٍ عربي مبين)...
وقوله : ويملك بعده خلفاءُ برٍّ.. فكان كما قال من قيام الخلفاء الراشدين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقيام الخلفاء من بني أمية وبني العباس وبملكهم اليمن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثم أخبر بظهور ملوك غسان في اليمن وتملّكهم عليها، فقال:
ويملك بعدهم أولاد عام.. يريد أولاد عامر فرخّمه للضرورة يعني عامر بن حارثة بم امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث، وإنما أشار اليه دون غيره ممن سلف أو خلف لأنه كان معاصراً له إذ هو القائم معه من ولد كهلان لحفظ الأطراف وسد الثغور وجباية الأموال، فخصّه بالإشارة والبشارة، ثم حقق ذلك وأوضحه بقوله :
ويظهر راية المنصور فيهم على خاءٍ إذا نطــــــقوا ولامِ
فكان كما قال من ظهور الملك المنصور واستقلاله بالملك في اليمن وتواتر ذريته من بعده الى يومنا هذا وهو عُمر بن علي بن الرسول.
وكان استقلاله بالملك في اليمن في سنة ثلاثين وستمئة من تاريخ الهجرة، وهو معنى قوله على خاءٍ إذا نطقوا ولام، فإن الخاء على حساب الجمّل ستمائة واللام ثلاثون، وكان ملك الحارث الرائش قبل ظهور النبي (صلى الله عليه وآله) نحو ستمئة سنة على ما قيل والله أعلم..العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية/ علي بن الحسن الخزرجي/ ج1 ص18-19...
وأخيراً فإننا نقول: إن المؤلف علي الخزرجي لم يُنصف في تفسير القصيدة بالصورة الصحيحة، وخصوصاً في البيت :
ويملُك بــــعده خلفــــاءُ بـــرٍّ ويملك بعدهم أولاد عـــــــامِ
حيث إن البر هو الإحسان في كل شيء وهذا الشيء غير موجود في خلفاء بني أمية وبني العباس بل إن الذي يقصده الحارث الرائش هم الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) وآل بيته (عليهم السلام) من ذرية بضعة الرسول الكريم فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذين تمثلت بهم كل معاني البر والإمامة، فهم الصفوة الطاهرة والذرية الصالحة التي ينطبق عليها تفسير البيت الشعري أعلاه...
وكذلك نلاحظ أن علي الخزرجي عندما وصل في تفسيره للبيت الأخير من القصيدة :
ويملك بعــدهُ رجلٌ نحــــيلٌ على آبائه أزكى الســـــــلامِ
فلم يُعلق على أي شيء حيث البيت واضح وصريح بظهور الإمام الحجة المنتظر (عج) فوصفه الحارث الرائش بدقيق الوصف عندما ختم قصيدته بالتحية والسلام والتزكية على آل محمد الطيبين الطاهرين...
وصلى الله تعالى على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين... ورزقنا شفاعتهم يوم الدين..
